الإْيجَابُ وَالْقَبُول.
الإْيجَابُ وَالْقَبُول فَهُمَا رُكْنَا الْخُلْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ بِعِوَضٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ بَدَأَ الزَّوْجُ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ، كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ عَلَى كَذَا الْقَبُول لَفْظًا مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ النُّطْقُ، وَبِالإشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ مِنَ الأْخْرَسِ وَبِالْكِتَابَةِ مِنْهُمَا، وَأَنْ لاَ يَتَخَلَّل بَيْنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُول كَلاَمٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْجَوَابُ لإِِشْعَارِهِ بِالإْعْرَاضِ بِخِلاَفِ الْيَسِيرِ مُطْلَقًا، وَالْكَثِيرِ مِمَّنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ الْجَوَابُ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَبُول عَلَى وَفْقِ الإْيجَابِ، فَلَوِ اخْتَلَفَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ، وَعَكْسُهُ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفَيْنِ فَقَبِلَتْ بِأَلْفٍ، أَوْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ، فَلَغْوٌ فِي الْمَسَائِل الثَّلاَثِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَأَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ فِي الإْثْبَاتِ، كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا، أَوْ أَيْ حِينٍ، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ وَقْتٍ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُول لَفْظًا؛ لأِنَّ الصِّيغَةَ لاَ تَقْتَضِيهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الإْعْطَاءُ فَوْرًا فِي الْمَجْلِسِ أَيْ مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ. بِخِلاَفِ مَا لَوِ ابْتَدَأَ (بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ فِي النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ مَتَى لَمْ تُعْطِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ) وَمِثْل ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ: مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَإِنَّ الْجَوَابَ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ التَّوَاجُبِ (1) [url=#_ftn1][1][/url]
أَلْفَاظُ الْخُلْعِ:
أَلْفَاظُ الْخُلْعِ سَبْعَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهِيَ: خَالَعْتُكِ - بَايَنْتُكِ - بَارَأْتُكِ - فَارَقْتُكِ - طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ - وَالْبَيْعُ كَبِعْتُ نَفْسَكِ - وَالشِّرَاءُ كَاشْتَرِي نَفْسَكِ.
وَلَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ وَهِيَ: الْخُلْعُ وَالْفِدْيَةُ، وَالصُّلْحُ، وَالْمُبَارَأَةُ وَكُلُّهَا تَئُول إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ بَذْل الْمَرْأَةِ الْعِوَضَ عَلَى طَلاَقِهَا.
وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَنْقَسِمُ إِلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ: فَالصَّرِيحُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ لَفْظَانِ: لَفْظُ خُلْعٍ وَمَا يَشْتَقُّ مِنْهُ لأَِنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الْعُرْفُ. وَلَفْظُ الْمُفَادَاةِ وَمَا يَشْتَقُّ مِنْهُ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ لَفْظَ فَسْخٍ لأَِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ. وَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْخُلْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمِنْ كِنَايَاتِهِ عِنْدَهُمْ أَيْضًا بَيْعٌ.
وَلَفْظُ بَارَأْتُكِ، وَأَبْرَأْتُكِ، وَأَبَنْتُكِ، وَصَرِيحُ خُلْعٍ وَكِنَايَتُهُ، كَصَرِيحِ طَلاَقٍ وَكِنَايَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَإِذَا طَلَبَتِ الْخُلْعَ وَبَذَلَتِ الْعِوَضَ فَأَجَابَهَا بِصَرِيحِ الْخُلْعِ وَكِنَايَتِهِ، صَحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لأَِنَّ دَلاَلَةَ الْحَال مِنْ سُؤَال الْخُلْعِ، وَبَذْل الْعِوَضِ صَارِفَةٌ إِلَيْهِ فَأَغْنَى عَنِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلاَلَةَ حَالٍ فَأَتَى بِصَرِيحِ الْخُلْعِ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ فَسْخٌ أَوْ طَلاَقٌ، وَلاَ يَقَعُ بِالْكِنَايَةِ إِلاَّ بِنِيَّةٍ مِمَّنْ تَلَفَّظَ بِهِ مِنْهُمَا، كَكِنَايَاتِ الطَّلاَقِ مَعَ صَرِيحِهِ (1) . [url=#_ftn2][2][/url]
قول الشافعية
قال في نهاية المحتاج(وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ (وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا) أَيْ الْمُخْتَلِعَةِ النَّاطِقَةِ (بِلَفْظٍ) كَ قَبِلْت أَوْ اخْتَلَعْت أَوْ ضَمِنْت أَوْ بِفِعْلٍ كَإِعْطَائِهِ الْأَلْفَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ. أَمَّا الْخَرْسَاءُ فَبِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ. وَالْكِتَابَةُ مَعَ النِّيَّةِ تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ (غَيْرِ مُنْفَصِلٍ) بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ إنْ طَالَ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ، وَكَذَا السُّكُوتُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ تَوَافُقُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُنَا أَيْضًا (فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَ طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ) كَمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا مَالَ.)نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج6 ص407
[url=#_ftnref1][1][/url] (1) أسنى المطالب 3 / 250 - 251 - ط المكتبة الإسلامية، روضة الطالبين 7 / 395 - ط المكتب الإسلامي، مغني المحتاج 3 / 269 - 270 - ط التراث.
[url=#_ftnref2][/url](1) حاشية ابن عابدين 2 / 559 - ط بولاق، بداية المجتهد 2 / 57 - ط التجارية، حاشية الجمل على المنهج 4 / 302 - ط التراث، المغني 7 / 57 - ط الرياض.